ثورة على أنفسنا
الديموقراطية المهلبية !!!
للأسف بدأ إيماني بحق هذا الشعب في الديمقراطية الحقيقية ينكمش حتى كاد يتلاشى تماما. لقد ورثنا "ديكتاتورية الحوار" من النظام السابق حتى أصبحت الديكتاتورية في "جيناتنا". أنا نفسي أضبط "نفسي" متلبسة في بعض الأحيان بممارسة الديكتاتورية في الرأي .. لكن على الأقل أنا لا ادخل في نقاش إلا لو كنت ملما بجوانب موضوع النقاش حتى تكون حجتي قوية ولا ألجأ للتجريح أو الاتهامات الفارغة .. لكن أن يتحول النقاش إلى جدال عقيم بسبب الإصرار على مفهوم ما بدون سند أو حجة .. فهذا هو الغباء بعينه!
يحدث كثيرا أن يفتح أحد المثقفين في احدى الندوات أو اللقاءات الثقافية أو حتى على صفحات الفيس بوك موضوعا ما فيحتدم النقاش حوله حتى تنفد الحجج لدى أحد الطرفين فيحاصره الطرف الآخر في خانة اليك .. هنا يلجأ الطرف المحاصر إلى موروثه الغالي من الديكتاتورية .. حيث يصر أن رأيه هو الصواب بعينه وأن كل ما عداه هراء!
نحن لا نؤمن بالديمقراطية إلا عندما تختارنا الديمقراطية للحديث .. أما عندما يأخذ غيرنا دفة الحوار فتبا للديمقراطية التي سمحت لغيرنا من السفهاء بالحديث! هذا هو شعار الفترة الحالية: "نعم للديمقراطية عندما تكون في صفي أنا"!
منذ فترة قرأت تعليقا على الفيس بوك تعرّفُ صاحبته المثقف الفارغ بأنه المثقف الذي قرأ في شتى العلوم وعلى أطراف مكتبته قرآن لم يمسه .. حقيقة لا أستطيع الجزم إن كانت تلك العبارة من تأليفها أم أنها مقتبسة من أحد المفكرين الإسلاميين المتشددين.
استفزني ذلك التعليق فوجدتني أوجه لها بعض الأسئلة:
وماذا عن المثقفين المسيحيين؟ هل ترين أنهم فارغون لأنهم لم يمسوا القرآن؟ وهل يعني هذا أن إسحق نيوتين وأينيشتاين وتشارلز ديكينز وشكسبير ونيتشة وجراهام بل .. وغيرهم من العظماء فارغون طالما لم يقرأوا القرآن؟! .. ووجدتني أتوسع بالسؤال أكثر: هل كل من خلقه الله قبل نزول القرآن فارغ أيضا؟ يعني كل الرسل والشخصيات التاريخية العظيمة بما فيها الفراعنة العظماء كلهم "فارغون" لأنهم لم يقرأوا القرآن؟
طبعا اتهمتها أن رؤيتها سطحية للغاية وتكشف قصورا رهيبا في تفكيرها، أضف إلى هذا أن هناك الكثير من المسلمين لم يقرأوا في حياتهم سوى القرآن لكنهم ليسوا عباقرة .. بل وبعضهم "فارغون" إلى أقصى درجات الفراغ!
ثم إنك يا سيدتي لو تخيلت نفسك لدقيقة مثقفة غير مسلمة فكيف ستتقبلين قولا مثل قولك؟
دائما وأبدا المسلم المتعصب يرى كل من سواه أقل منه، مع أن هذا ليس من الإسلام في شيء بل هو أبعد ما يكون عن الإسلام.
ثم هل تعتقدين أن القرآن يغني عن دراسة العلوم .. مثل الكيمياء والفيزياء النووية والتشريح والفيسيولوجي والهستولوجي وغيرها الكثير من العلوم التي لا تكفي هذه الرسالة لمجرد ذكر فروعها .. كان هذا السؤال مدخلا لسؤال تالي حتى أثبت لها وجهة نظري وضعف وجهة نظرها وقصورها.
هنا بدأت تشعر بأنها محاصرة فلجأت إلى موروثها من الديكتاتورية، فراحت تكيل لي عبارات السخرية والإستهزاء، بل وتمادت أكثر فتطاولت على الديانة المسيحية بل واتهمتني بأنني لست مسلما لأنني أدافع عن المثقفين من غير المسلمين. المدهش أن عددا من زوار الصفحة دخلوا ليتضامنوا مع صديقتهم "المثقفة" وراحوا يكيلون لي الاتهام تلو الآخر .. وكان بينهم شاعر افتقر حواره إلى الحد الأدنى من الشاعرية!
هذه النوعية من مدعي الثقافة لا يناسبهم سوى قوله تعالى: "واذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلاما". هؤلاء مجموعة من الجهلة يدعون الثقافة وهم في الحقيقة "فارغون" تماما. هؤلاء هم الذين يدفعون البلد إلى الوراء أكثر وأكثر.
انتهى الحوار مع تلك المجموعة من الجهلاء لأجدني أمام "حزمة" من الأسئلة:
هل هذا هو الشكل المتوقع للحوار بعد الثورة؟
هل أصبح الفجور في الاختلاف شيئا طبيعيا؟
هل أدى الكبت والقهر والاستبداد وتفشي الفساد على مدى أعوام طويلة إلى اتخاذ أسلوب التشنج والهجوم الزاعق بدلا من الحوار الهاديء الراقي؟
متى سنتعلم الذوق في الحوار؟ متى سندرك أن الديمقراطية هي الطريق الوحيد للتقدم؟
نحن حقا بحاجة إلى ثورة على أنفسنا.

تعليقات
إرسال تعليق