كنز القلعة - قصة قصيرة
لاحت القلعة من بعيد .. قلعة صلاح الدين الأيوبي ..
هتف في نفسه .. " أخيراً سأصل إلى الكنز " ..
تذكر كيف وجد بالصدفة تلك الورقة البالية أثناء إحدى زياراته العديدة للقلعة .. كانت عليها نقوش غريبة .. استغرقت منه خمس عشرة سنة ، وكل خبرته في فك طلاسم اللغات المختلفة ، ليفك طلاسمها .. صدمته تلك العبارة التى جاءت في ذيل الورقة .. التي تشترط عثور شخص على الكنز قبل أن يحصل عليه من يعثر على تلك الورقة .. " لتحصل على الكنز ، لابد وأن يعثر عليه شخص آخر " .. تلك كانت العبارة .. ظلت تقلقه و تؤرقه ..
كانت أصعب من الطلاسم التي نجح في حلها ، لقراءة الورقة نفسها .. حاول مرات ومرات أن يعيد ترتيب تلك العبارة ، و لم يتوصل إلى شيئ .. لكنه لم يقتنع في نفس الوقت .. إذ كيف يعثر شخص على الكنز ولا يأخذه لنفسه ؟ .. كيف ؟ كيف ؟ .. شيء بديهي أن من يعثر على الكنز يكون هو الذي يحصل عليه .. أما أن يكون عثور شخص آخر على الكنز شرطا لحصوله هو عليه ، فهذا هو غير المعقول !! .. عاد يركز على الطريق ، بعد أن كادت السيارة تنحرف به إلى هاوية .. لطالما قلب تلك الفكار في ذهنه .. سهر ساعات وساعات .. وقام .. وقعد .. والعبارة لا تبوح بسرها ..
وصل أخيرا إلى القلعة ..
غادر سيارته بسرعة .. دخل القلعة بعد أن قدم تذكرة الدخول إلى الحارس كما يفعل كل مرة .. كانت القلعة مختلفة في نظره هذه المرة .. في المرات السابقة كان مجرد زائر للقلعة .. يأتي لمشاهدة ما تحويه من تحف فنية رائعة .. أما هذه المرة ، فالأمر يختلف .. إنه يقترب من حل اللغز الذي طالما حيره .. والذي بالرغم من ذلك مازال طلسما بالنسبة له ..
هو الآن يحفظ كل مخابيء وسراديب تلك القلعة التاريخية .. التي طالما شهدت أمجاد القادة والحكام .. انتصاراتهم ومؤامراتهم .. إضافاتهم وتعديلاتهم .. في تلك السراديب والأبواب ..
سار في هدوء .. المكان مألوف لديه .. يكاد يعرفه كما يعرف أصابع يديه .. قادته قدماه إلى تلك الغرفة .. التي يدرك يقينا أنها هي الباب المؤدي إلى الكنز .. فطالما حام في المكان عشرات المرات .. حتى انتهى به الأمر إلى تلك الغرفة .. دخلها ودفع الباب في هدوء ، فانغلق دون صوت .. اتجه إلى أحد الجدران .. تحسسه بيديه في رهبة .. تركزت كل حواسه في يديه .. لقد أصبح وجها لوجه مع قدره .. لامست يده حجرا تحرك تحتها .. تلفت حوله في وجل .. بدأ جزء من الجدار يتحرك فجأة .. كاشفا عن فتحة صغيرة .. دلف إلى السرداب الذي امتد أمامه .. أخرج من جيبه الكشاف الصغير الذي يستخدمه في مثل تلك المواقف .. راقب الباب الصغير وهو يغلق في هدوء .. اطمئن إلى طريقة فتحه من الداخل ..
انطلق في السرداب .. انتهى به إلى غرفة حالكة الظلمة .. إلا من ضوء الكشاف الصغير .. تتبعت عيناه ضوء الكشاف وهو يجول في المكان .. لدهشته كان المكان خاليا ، إلا من صندوق صغير .. أهذا هو الكنز ؟! .. جال بعينيه مرة ومرة .. ولم يكن هناك شيء سوى هذا الصندوق الصغير .. اتجه نحوه وهو يقول في نفسه : " تراه مصباح علاء الدين ؟ .. أم خاتم سليمان ؟! " .. ابتسم في نفسه وهو يتخيل خادم المصباح محشورا في هذا المكان الضيق !! ..
امتدتْ يداهُ إلى الصندوق .. رفعه قبل أن يفتحه .. ربما ليخمن ما بداخله .. كان الصندوق خفيفا .. فتح الصندوق لتزداد دهشته .. كان الصندوق يحوي قنينة صغيرة أشبه بقنينة الدواء .. أخذ يقلب القنينة في يديه .. كانت عليها عبارة تقول : " هذا الشراب مفتاح الكنز !! " ..
هذا الشراب ؟! هذا الشراب ؟! ..
رج القنينة .. بداخلها سائل .. إذن فليشربه ليحصل على الكنز .. ولكن كيف ؟! .. جال بعينيه في المكان .. ربما للمرة الأخيرة .. لا بد أن يشربه إذن .. ترى ما الذي سيحدث عندما يشربه ؟ .. هل سيفتح له باب الكنز حقا ؟! .. لقد تحسس بيديه جدران الغرفة كلها عدة مرات ، ولم يحدث شيء !! ..
ربما كان السر في الشراب .. هل سيظهر له الجني كما في الأفلام ؟! ..
ليس أمامه سوى أن يشرب ليعرف ..
سكب القنينة في فمه دفعة واحدة .. كان مذاقها لاذعا .. لكن اضطرابه وخوفه وترقبه حجبتْ عنه إدراك المذاق الحقيقي لذلك الشراب .. وفجأة .. شعر بتحول هائل عنيف .... يسري في جسده .. اتسعت عيناه في رعب .. وهو يرى يديه تتحول في ضوء الكشاف إلى اللون الأخضر .. بدأ جسده يتصلب تدريجيا .. كأنه تمثال من الذهب .. هنا فقط تذكر تلك الكلمات .. " لتحصل على الكنز ، لا بد وأن يعثر عليه شخص آخر " .. صدمه المعنى بقوة .. لكن بعد فوات الأوان .. وها هو يتحول إلى كنز ، قد يعثر عليه أحد الأشخاص ذات يوم .. إذا ما ضغط بيده على ذلك الحجر الخفي في الجدار بطريق الصدفة ..
يا لسخرية القدر .. جاء ليحصل على الكنز ، فأصبح هو الكنز !! ..
الكنز الذهبي ..
إحدى قصص مجموعتي "رقصة الجسد الأخيرة"، الصادرة عن دار ليلى للنشر والتوزيع
المجموعة متوفرة بالمكتبات التالية:
مكتبات الشروق
مكتبات ألف
عمر بوك ستور - أعلى
مطعم فلفلة - ميدان طلعت حرب- وسط البلد
مكتبة روايات - شارع وليد بن
المسلم – اسكندرية
الصحافة - سوهاج - شارع
الجامعة
مكتبات الساحل –
الاهرام

تعليقات
إرسال تعليق