إرهاصات وطنية ترقى إلى مرتبة الهرتلة


أعترف أنني في البداية لم أتحمس للمجموعة بسبب عنوانها ... وربما لهذا السبب بدأت القراءة بقصة "إرهاصات وطنية" وهي ليست أول قصة في ترتيب القصص بالمجموعة، لأكتشف أنني أمام موهبة من الطراز الأول .. أسلوب مدهش .. وعبارات وتراكيب لغوية محكمة .. وطريقة سرد ممتعة تجذبك للقراءة حتى النهاية.

أحيانا ينجرف الكاتب وراء ميله للاستعراض اللغوي كنوع من "فرد العضلات"، لكن هذا لم يفقد المجموعة سحرها ... وللأسف لم ينج الكاتب من الوقوع في مصيدة تقليد د/ أحمد خالد توفيق في أحيان قليلة جدا .. بدا هذا واضحا في قصة "وجه آخر" .. لكنني واثق أن كتابه التالي لن يقع في تلك المصيدة .. فأسلوب الكاتب يتطور بشكل واضح وسريع.

الكاتب يتنقل في قصصه بين أساليب وحبكات متنوعة .. فلا يشعر القاريء بالملل .. للأسف لن أستطيع الحديث عن مواضيع القصص هنا حتى لا "أحرقها" .. لكنني سأتحدث بإيجاز عن روايته القصيرة "ثلاثون عاما"، فتلك الرواية مكتوبة بتكنيك روائي شديد الصعوبة، يشبه إلى حد كبير الأسلوب الذي كُتب به سيناريو فيلم (Memento) الشهير. حيث تتحرك فصول الرواية في خطين متعاكسين من حيث الإطار الزمني، يلتقيان عند لحظة حاسمة في حياة البطل هي لحظة اكتشافه أنه مصاب بالمرض الخبيث. الخط الأول للرواية يتحرك للأمام مستعرضا حياة بطل القصة بعد أن يكتشف مرضه .. بينما الخط الثاني يتحرك للوراء مستعرضا حياة البطل قبل اكتشافه للمرض وحتى لحظة مولده ... المدهش أن الخطين الزمنيين يتقاطعان بمهارة غير عادية .. فكل يوم من الخط الأول يعقبه سنة من الخط الثاني في تناغم مبهر لا يحدث أي ارتباك للقاريء وهو يعيش هذا التداخل المتدهش بين لقطات الماضي والحاضر .. والمدهش أكثر أن الدكتور شريف الشاذلي قد كتب هذه الرواية القصيرة قبل أن يشاهد فيلم (Memento).

أرشح هذه المجموعة المميزة لكل محبي ذلك الفن البديع .. فن القصة والرواية القصيرة، فلا شك أن كل من سيقرأها سيتعلم منها شيئا جديدا جميلا.



وختاما أوجه التحية للدكتور شريف الشاذلي على مجموعته الفريدة.

تعليقات

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

غرف حنين لنسرين البخشونجي

أنثى بنكهة الكراميل في عيون النقاد

كنز القلعة - قصة قصيرة