أنثى بنكهة الكراميل




رواية - "مستوحاة من أحداث حقيقية"

..... ضغطتُ زر الجرس لتأذن الممرضة للمريض التالي بالدخول .. فتاة جميلة .. بصحبة شاب نحيل .. دعوتهما للجلوس .. لتبدأ الفتاة في الحديث .. أخبرتني في حرج والقلق يطل من عينيها أنها اكتشفت كتلة في ثديها الأيمن .. وهي تخشى أن تكون ـ لا قدر الله ـ ورما .. حاولت أن أطمئنها قائلا:

ـ 85 % من كتل الثدي ليست سرطانية.
طلبت منها أن تتمدد على سرير الكشف .. وأنا أسألها:
ـ كم عمرك ؟
ـ 24 عاما ..
ـ هل توجد إفرازات من الثدي ..
ـ لا ..
جذبت الستارة من خلفي قبل أن أطلب إليها أن تكشف منطقة الصدر وأن تضع يدها اليمنى تحت رأسها لتكشف منطقة الإبط .. لا يوجد أي تغيير في شكل ولون الجلد أو الحلمة .. ضغطت بأصابعي فوق مكان الكتلة لأكتشف أنها مثل المطاط وتتحرك عند الضغط عليها ..
ـ هل تشعرين بألم عند الضغط ؟
ـ لا ..
ـ هل يزداد حجم الورم مع نزول الدورة؟
أجابتني بالنفي .. أستطيع الآن أن أستبعد مرض الثدي الليفي التكيسي (Fibrocystic Changes) .. تحسست منطقة الإبط لأتأكد من خلوها من أي تورم .. حيث إن بعض أورام الثدي السرطانية لا تكتشف إلا بعد انتشار الخلايا السرطانية إلى العقد الليمفاوية في منطقة الإبط ..
ـ تدخنين؟
ـ لا ..
قالتها بتردد مما جعلني أشك في صدقها ..
ـ تتناولين حبوب منع الحمل؟
ـ أنا لست متزوجة!
وأشارت في اتجاه الشاب المنتظر خلف الستارة :
ـ نحن مخطوبان.
أشرت لها لترتدي ثيابها .. عدت لمجلسي خلف المكتب .. انتظرت حتى انتهت قبل أن أسألها:
ـ هل سبق إصابة أحد أفراد العائلة بسرطان الثدي؟
ترددت قليلا قبل أن تجيب:
ـ أختي .. منذ سنتين تقريبا .. وقد أجرت جراحة لإستئصاله ..
هنا تدخل الشاب في الحديث:
ـ لم أعرف!! ... أختك مصابة بسرطان الثدي؟
ـ كانت ..
ـ ولكنك لم تخبريني يا "بثينة" ؟
ـ لم تكن هناك مناسبة للحديث .. ثم هذا أمر يخص أختي فقط ..
ـ بل يخصنا نحن أيضا .. هذا المرض وراثي .. وقد ينتقل لأبنائنا .. أليس كذلك يا دكتور؟
أومأت برأسي أن نعم .. لأفاجأ بعدها بمشهد يصعب توقعه .. رأيته يخلع الدبلة في عصبية ويضعها إلى جوار خطيبته وسط نظرات ذهول أطلت من عينيها، ودهشة كست وجهي ..
ـ لا أستطيع الارتباط بفتاة تنتمي لأسرة ينتشر فيها المرض الخبيث ..
وانصرف تاركا لها الألم والدموع .. كأنما يتلمس الفرصة ليقطع علاقته بها .. صحيح أن إصابة أختها تزيد من احتمالية إصابتها هي أيضا بالسرطان .. لكن لا يمكن الجزم بهذا إلا بعد إجراء الفحص الثلاثي الشهير .. الاختبار اليدوي .. الفحص بالأشعة السينية .. ثم بأخذ عينة جراحية (Needle Biopsy) ..
فكرتُ في الموقف من زاوية أخرى .. ماذا لو اتضح أنها مصابة فعلا بسرطان الثدي مع التداعيات المعروفة ؟! .. من حقه ألا يقضي حياته مع امرأة مشوهة الجسد .. ولكن هي .. ما ذنبها ؟ .. موقف محير حقا !! ..
لم أعرف ماذا أفعل لأساعدها على تجاوز هذا الموقف .. خرجت من فمي بعض كلمات المواساة على غرار: "لا تنظري إلى نصف الكوب الفارغ .. هو لا يستحقك .. كل شيء قسمة ونصيب" .. إلى آخر تلك العبارات التقليدية ..
لم تعلق بشيء .. فقط ألقتْ بالدبلة في حقيبتها .. مسحتْ آثار الدموع .. قبل أن تسألني عن الخطوة التالية ..
أجبتها بابتسامة مشجعة:
ـ الخطوة التالية أن تنتهي سريعا من إجراءات دخولك للمستشفى لبدء الفحوصات في أقرب فرصة لنقرر بعدها الإجراء المناسب ..
تسللت ابتسامة خجلة إلى شفتيها .. قبل أن أكتب لها في الكارت تصريحا بدخول وحدة الجراحة العامة رقم 29 بمبنى منيل بحري ..
ـ انتظريني عند باب القسم بعد انتهاء الإجراءات.
من جديد أضغط زر الجرس ليدخل المريض التالي ..
حاولت أن أبعد بثينة عن ذهني .. لكن صورتها والدموع تفر من عينيها ظلت تطاردني .. ترى هل يتسرب ذلك المرض اللعين ليترك بصمته على جسد تلك الفتاة الجميلة ؟! .. ومر الوقت وتتابعت الحالات .. دون أن أفلح في إخراج صورتها من ذهني .. حتى جاء ميعاد إغلاق العيادة الخارجية .. لأنطلق من فوري إلى الوحدة 29 .. وجدتها واقفة أمام إحدى النوافذ المنتشرة في الرواق الطويل .. كانت ساهمة وآثار الدموع ما تزال واضحة فوق خديها .. اقتربت منها وقلت في صوت خافت:
ـ مستعدة ؟
أومأت برأسها أن نعم .. لندخل بعدها العنبر لبدء الخطوة الأخيرة في إجراءات الدخول .. وغادرت العنبر بعد أن أوصيت إحدى الممرضات لتهتم بها ..


مقطع من الفصل الأول من رواية: أنثى بنكهة الكراميل


الرواية متوفرة حاليا في نسختها الإلكترونية، ويمكنكم شرائها بالضغط هنا



تعليقات

  1. اولا انا بحييييك علي اسم الروايه لاني فعلا شوفتها بالصدفه علي الفيس بوك والاسم فضل معلق في ذهني وكنت عايزه اعرف هي نزلت ولا لا وفين عشان اشتريها
    ربنا يوفقك وبجد الكلام تحفه والاسلوب جميل اوووي

    ردحذف
  2. أشكر لك كلماتك الرقيقة ... وانتظر رأيك في الرواية بعد قراءتها كاملة ... تحياتي

    ردحذف

إرسال تعليق

المشاركات الشائعة من هذه المدونة

غرف حنين لنسرين البخشونجي

أنثى بنكهة الكراميل في عيون النقاد

كنز القلعة - قصة قصيرة